12 October 2016

مذكرات الفريق عبد المنعم خليل




مذكرات الفريق عبد المنعم خليل

الفصل السابع عشر
عودة القيادة والسيطرة لي للمرة الثالثة

توليت مهام قيادة الجيش الثاني وعادت لي السيطرة على قواتي وحدي مرة أخرى بعد الساعة 1300 يوم 20 أكتوبر، وأصبح لديَّ حرية العمل واتخاذ القرارات، ودعوت الله سبحانه وتعالى أن يقف بجانبي ويدافع عني، وكنت مخلصًا في هذا الدعاء، وشعرت، برغم خطورة الموقف برًّا وبحرًا وجوًّا، بأن الله سبحانه وتعالى سينصرنا قريبًا جدًّا.
أصدرت أوامري إلى العقيد أسامة، قائد مجموعة 139 صاعقة والتي لم تنجح في مهامها أمس، وكانت تحتل منطقة جنوب الترعة الحلوة بالإسماعيلية حتى منطقة غرب جبل مريم، ومنطقة المزروعات والمباني شرق واحة المنايف، بإعمال كمائن واقتناص دبابات في المنطقة وتدمير أي مدرعات للعدو تحاول التقدم تجاه الإسماعيلية سواء على المدقات أو بحذاء السكة الحديد أو على الطريق الرئيسي الأسفلت، وأوامر إلى العقيد هيكل، قائد المجموعة 129 صاعقة، بوضع خططه كقائد للمجموعة غرب واحة المنايف حتى جنوب أبو صوير.
كلفت العميد أ.ح محمد عبد الحليم أبو غزالة، قائد مدفعية الجيش الثاني، والذي عمل معي سنوات طوالًا في تعاون مستمر وأعرف كفاءته وقدراته وقدرة مدفعية الجيش الثاني تحت قيادته، بأن ينسق الدفاع المضاد للدبابات في منطقة الكوبري العلوي غرب الإسماعيلية، مستخدمًا كل ما يمكن استخدامه من أسلحة مضادة للدبابات ودبابات ونيران المدفعية. وقام هو شخصيًّا في هذا الموقف الحرج بتنسيق الدفاع في المنطقة وتخطيط ضرب تجمعات مدفعية من مدفعية الجيش الثاني على قوات العدو المدرعة المتقدمة تجاه الإسماعيلية، وفتح نقاط ملاحظة مدفعية في المنطقة، ونسق هذا مع قائد اللواء 118 مشاة الذي تولى مسؤولية الدفاع عن هذه المنطقة.
تم تأمين منطقة النصب التذكاري في جبل مريم بواسطة كتيبة مظلات بقيادة المقدم عاطف منصف، ودعمتها بدبابات وأسلحة مضادة للدبابات من اللواء 118 مشاة ميكانيكي، واتصلت شخصيًّا بالمقدم عاطف منصف مشجعًا له على التمسك بمواقعه، وكان هو أيضًا يعمل تحت قيادتي عندما كنت قائدًا لوحدات المظلات عام 1965 وما بعده، وكنت مطمئنًّا لكفاءته وكفاءة وحداته في هذه المهمة.
اتصلت بقادة التشكيلات كلٌّ في قطاعه أخطرهم بعودتي مرة ثالثة إلى قيادتهم، وأوضحت لهم الموقف بأمانة وصدق حتى نتحمل معًا جميعًا مسؤولياتنا أمام الله ومصر والتاريخ.

محاولات العدو لتطويق الإسماعيلية
توالت البلاغات من جميع القطاعات، وكان أخطرها أن «قول مدرع» للعدو يتحرك تجاه الكوبري العلوي جنوب غرب الإسماعيلية تجاه نفيشة، ونجحت قواتنا في إيقاف تقدمه، ولم يحاول التقدم أكثر حتى لا يدخل في مرمى أسلحتنا الصاروخية المضادة للدبابات.
وقول مدرع آخر على المدق جنوب معسكر الجلاء والموصل حتى سيرابيوم جنوبًا، هذا بالإضافة إلى استمرار نشاط العدو الجوي، فكان تقديري للموقف أن العدو يحاول الوصول إلى الإسماعيلية وتطويقها. ولكن لماذا دمر الكباري المقامة على الترعة الحلوة، والتي كانت تسهل له العبور إلى الإسماعيلية؟
وفجأة وصلت معلومات عاجلة تحمل بشرى تدمير قول للعدو مكون من ثلاث مدرعات احترقت واحترقت معها جثث أطقمها من الإسرائيليين وهي في اندفاعها السريع على المدق الواصل من سيرابيوم إلى عين غصين تجاه معسكر الجلاء، وهذا بفضل كمائن مجموعة أسامة التي اتخذت مواقعها بعناية، وارتفعت معنويات رجال الصاعقة، خاصة وقد شاهدوا ثلاث دبابات تحترق ومعها أطقمها من جنوب إسرائيل.
أما القول التابع لهذه المقدمة فقد عاد أدراجه وسط أشجار البرتقال واليوسفي والمانجو بعيدًا وانسحب تجاه سيرابيوم. وركزت مجموعة مدفعية الجيش نيرانها على مناطق تجمعه. وأعتقد أنها أحدثت بهم خسائر كثيرة! وهكذا توقف هجوم العدو تجاه الإسماعيلية على محورَي جنوب غرب نفيشة وجنوب غرب عين غصين، كما تمكنت قوات رأس شاطئ الفرقة 16 مشاة وعناصر من قوات الفرقة 21 مدرع من إيقاف تقدم العدو شمالًا على الجانب الأيمن للفرقة المدرعة، وأسرت 12 جنديًّا إسرائيليًّا، معظمهم من المدرعات منهم أسير برتبة ضابط، ودمر له 13 دبابة، وارتد إلى الجنوب، واطمأن قلبي كقائد جيش وازدادت ثقتي في قدرة قوات الجيش الثاني، وحمدت الله سبحانه وتعالى على هذا النصر، وأخطرت الوزير بهذا الخبر السعيد.
وأرسل وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة برقية شكر وتهنئة إلى قيادة الفرقة 21 مدرع والفرقة 16 مشاة هذا نصها:
(((إن البسالة والشجاعة التي تتسم بها أعمال الفرقة 16 مشاة والفرقة 21 مدرع تعتبر المثل الذي تحتذي به القوات المسلحة في معركتنا المصيرية، تهنئتي القلبية للقادة والضباط والجنود على هذا الصمود الرائع والروح القتالية العالية، والنصر لكم بإذن الله.)))
واتصلت بالعميد أنور حب الرمان والعميد العرابي أهنئهما على هذا النصر العظيم، كما اتصلت بالعقيد أسامة قائد المجموعة 139 صاعقة متمنيًا له ولرجاله التوفيق والنصر دائمًا، ويسعدني أن أبعث لهم وكذا لكل رجال الصاعقة الشجعان تحية تقدير وإعجاب.

قرارات جديدة
وقبيل آخر ضوء يوم 20 أكتوبر 1973 كنت بعد تقديري للموقف العام أمام وعلى أجناب جبهة الجيش الثاني شمالًا من بورسعيد وشرقًا من شرق بورفؤاد إلى قطاع الاختراق الإسرائيلي في الدفرسوار وفي عمق الجيش الثاني، وأمام مواجهة رؤوس الشواطئ شرقًا، أصدرت عدة قرارات تحقق السيطرة والتأمين وإعادة تنظيم القوات لرفع الكفاءة القتالية للقوات، وكان أهمها إعادة تنظيم القوات الموجودة في رأس شاطئ فرقة 16 مشاة بحيث يتولى القيادة قائد الفرقة 16 مشاة العميد أنور حب الرمان (كان أقدم من العميد أ.ح إبراهيم العرابي وتسبب ذلك في مشاكل القيادة والسيطرة)، وتدعم بعناصر قيادة وسيطرة من قيادة الفرقة 21 مدرع على أن يعبر غربًا العميد أ.ح العرابي ومعه قيادة الفرقة 21 مدرع وتتمركز في مكانها القديم في منطقة طريق عثمان والملاك والقصاصين لتتولى قيادة الوحدات التي يعاد تجميعها وتنظيمها، وتشترك في حصار العدو جنوب ترعة الإسماعيلية وغرب القناة. كما خصصت مهام جديدة لوحدات المظلات ومجموعات الصاعقة بهدف حصر العدو جنوب ترعة الإسماعيلية، وتكوين عناصر اقتناص دبابات وكمائن لاصطياد قوات العدو، وشل حركتها الهجومية. ولم تعترض القيادة العامة على هذه القرارات واعتبرتها بمثابة التصديق.
مكالمات تلفونية محيرة
جاءتني مكالمة من وزير الحربية قبل منتصف ليل 20 أكتوبر 73 بقليل تعقيبًا على مكالمة سابقة بيننا في مساء نفس الليلة يسألني عن اللواء سعد مأمون: أين هو؟ فكنت قد أخبرته في المكالمة السابقة أنه نزل مصر بعد الساعة الرابعة والنصف مساء يوم 16 أكتوبر 1973، وربما يكون في مستشفى المعادي الآن أو في منزله، الله أعلم! ولست أدري كيف لم يعلم وزير الحربية بموقف اللواء سعد مأمون حتى اليوم 20 أكتوبر 1973، وربما تكون الأحداث التي مرت بنا سببًا في عدم علمه!
والحقيقة أن الوزير كان منفعلًا جدًّا عن الصورة التي نقلها له الفريق الشاذلي بعد عودته إلى القاهرة بعد ظهر يوم 20 أكتوبر 1973، وعلمت أنه طلب سحب بعض القوات المدرعة المصرية من الشرق للغرب للاستفادة بها في تصفية الثغرة، وقد وافقني على سحب اللواء 15 مدرع إلى الغرب، ولكن الوزير لم يصدق على هذا.
ثم جاءت مكالمة أخرى من الفريق الشاذلي في حوالي 35 دقيقة بعد منتصف ليل 20-21 أكتوبر 1973، كان يسألني عن شيء، ولم أفهم ما يقصد، ثم سمعت هيصة، وأخذ الوزير التلفون وكان يستفسر مني عن موقف مجموعة أسامة، أي المجموعة 139 صاعقة التي نجحت عناصرها في تدمير مقدمة مدرعات العدو التي كانت مندفعة تجاه الإسماعيلية عند عين غصين، وكانت مكالمة عجيبة لدرجة أنني أذكر أني قلت له بحدة:
- هذا كلام غير مضبوط! أنا يا افندم متأكد من الكلام اللي باقوله.
وكانت مناقشة حادة إلى أن قال:
- يستمر أسامة في تنفيذ المهمة!
ثم قال:
- أرسلت لك كتيبة دبابات الحرس الجمهوري تستخدم في أعمال كمائن في الأراضي الزراعية.
فرفضت، وقلت له:
- كيف تعمل الدبابات في الأراضي الزراعية؟ إني أريدها احتياطيًّا في اليد أستخدمها حسب الموقف وحسب قراري.
واستمرت المكالمة بيننا وقتًا طويلًا إلى أن حسمت المكالمة بقولي:
- أنا مش خايف من حاجة، أنا ماشي في المهمة، بس سيادتك اطمئن وافتح لي صدرك ولو دقيقة واحدة.
ولكنه رد...
فقلت له:
- طيب حاضر يا افندم... مع السلامة!
هذه قصة أحد الاتصالات التلفونية بين وزير الحربية وقائد جيش ميداني المفروض أنه له مسؤولياته وله حرية التصرف واتخاذ القرارات.
وأعتقد أن الفريق الشاذلي أعطاهم صورة عن الموقف أحدثت خلخلة في جهاز القيادة العامة وعدم اطمئنان ظهرت أثناء محادثة الوزير معي. سمعت من يحدد لقائد الجيش قراراته، بعضهم يقول: «يا عبد المنعم حرك قوات لرص ألغام»، «اعمل احتياطي مضاد للدبابات»، إلخ. ومرة أخرى اتصل بي الوزير والساعة تقترب من الثانية صباح يوم 21 أكتوبر 1973، وكان ردي كالآتي:
- سيادتك بتعاملني معاملة قاسية. كل المناطق في العمق جاري رص ألغام بها، وتم تكوين احتياطي مضاد للدبابات في اليد، وتم إعادة تنظيم قواتي بعد عودة الفريق الشاذلي للقاهرة، وقررت تجميع المدرعات في قوة واحدة وأستفيد برئاسة الفرقة 21 مدرع في الخلف في إعادة تنظيم اللواء 23 مدرع وتنسيق العمل مع وحدات الجيش الثالث التي تم تمركزها في عثمان أحمد عثمان وهو اللواء الثاني المدرع، ووحدات دعم بقيادة العميد أ.ح عبد العزيز قابيل، كما قررت تعيين العميد أنور حب الرمان قائد الفرقة 16 مشاة قائدًا لرأس شاطئ الفرقة، ومعه العميد أ.ح بكير محمد بكير رئيسًا للأركان.
وأخبرته أني قد أرسلت نداء للقوات بأني قد عدت إليهم مرة أخرى كقائد للجيش، كما أخطرته بقصفات المدفعية التي أمرت العميد أ.ح أبو غزالة بتنفيذها على تجمعات العدو ومناطق عبوره غربًا، وقد طمأنته عن الموقف، وقلت سننتصر بإذن الله برغم كل ما حدث، ثم قلت له:
- سيادتك اطمئن وإن شاء الله مش حايهزمونا، سيادتك صلي الفجر وحاتسمع حاجة كويسة. شكرًا يا افندم.
مكالمة كلها اطمئنان وثقة والحمد لله حتى تهدأ النفوس ويتركوني أعمل في هدوء وحرية.
ومع أذان فجر يوم 21 أكتوبر 1973، دوت أصوات نيران مدفعية الجيش الثاني الميداني تدك معابر العدو ومناطق تجمعاته ومحلات مبيت مدرعاته وكل الأماكن المحتمل تواجد قوات له بها، واشترك في هذا القصف كل مدفعية الجيش الثاني الميداني وقصفات مدفعية الجيش الثالث، والفضل لله في هذا، ويحق لي هنا أن أحيي رجال مدفعية الجيشين الثاني والثالث الأبطال.
ولقد علمت بعد هدوء الموقف أن وزير الحربية بعد مكالمتي له شعر باطمئنان وثقة، وعلق على مكالماتي وتصرفاتي بأني قائد بارد الأعصاب وغيري يشتم ويتخانق عندما يتصل به أحد.

ملخص قرارتي حتى نهاية يوم 21 أكتوبر 1973
1- بعد أن فشلت المجموعة 139 صاعقة (مجموعة أسامة) في تنفيذ مهامها المكلفة بها من القيادة العامة في اتجاه الدفرسوار ووضعت تحت قيادتي، أصدرت لها الأوامر بعمل قاعدة وطيدة للانطلاق منها بأعمال كمائن وإغارات بمنطقة نفيشة وعين غصين والمنطقة الواقعة جنوب ترعة الإسماعيلية الحلوة، بالتنسيق مع قوات اللواء 150 مظلات، ومع قائد المجموعة 129 صاعقة التي تعمل في المنطقة غرب واحة المنايف وجنوب أبو صوير والمحسمة.
2- إعادة تنظيم اللواء 150 مظلات والتمسك بمنطقة جبل مريم ومعسكر المهندسين جنوبه، وكذا المنطقة حتى جنوب كوبري الجلاء والتمسك بها لآخر طلقة وآخر رجل مع الاستعداد لاسترداد تبة حنيدق وطوسون وتأمين منطقة عمله.
3- أصدرت مهمة إلى اللواء 23 مدرع بالدفاع عن المنطقة بالنطاق الثاني في منطقة تقاطع طريق سيرابيوم مع طريق القصاصين حتى القصاصين غرب ثغرة الاختراق.
4- كلفت الفرقة 23 مشاة ميكانيكية بتولي مسؤولية الدفاع عن قطاع محطة المحسمة حتى القصاصين، وفي اتجاه الجنوب والشرق والدفاع عن الإسماعيلية وكان تحت قيادتها اللواء 116 مشاة ميكانيكي بعد إعادة تجميعه، واللواء 118 مشاة ميكانيكي عدا كتيبة لوجودها في رأس كوبري الفرقة الثانية المشاة.
5- أصدرت أوامري بعودة عناصر من قيادة الفرقة 21 المدرعة إلى غرب القناة والتمركز في مواقعها القديمة في النطاق الثاني جنوب ترعة الإسماعيلية، ومعها عناصر من اللواء الأول مدرع، توطئة لإعادة كل الفرقة 21 مدرعة إلى أماكنها الأصلية، وتتولى قيادة كل القوات في هذه المنطقة ومنها اللواء 23 مدرع.
6- تقوم قوات رؤوس الشواطئ بأعمال نشطة في مواجهتها بالنيران والقوات، كما تم تدعيم رأس شاطئ الفرقة 16 مشاة ميكانيكية باللواء 24 مدرع بقيادة العميد أ.ح نيازي الشيمي الموجود في قطاع الفرقة الثانية المشاة، ونجحت القوات في إيقاف العدو أمامه وتثبيته.
7- استمرار وحدات مدفعية الجيش الثاني الميداني في معاونة رأس شاطئ فر 16 مش، ومنع العدو من التدفق غربًا أو شمالًا، وضرب معابر العدو في الدفرسوار، وتأمين القوات، ومنع العدو من الاستيلاء على جبل مريم أو تطويق الإسماعيلية، وقد نفذت المدفعية مهامها بكفاءة وبسرعة ودقة.
8- استمرار أعمال الاستطلاع وجماعات المؤخرة في الحصول على المعلومات.
9- قيام عناصر المهندسين العكسريين برص ألغام على المحاور الرئيسية وتحديد أجناب العدو وتأمين عبور قواتنا وإمداداتنا على المعابر إلى الشرق، مع استمرار أعمال التجهيز الهندسي لمواقع رؤوس الكباري.
10- نجحت عناصر الدفاع الجوي في التشكيلات ودفاع جوي الفرقة الثامنة في إسقاط عدد من طائرات العدو، مما ساعد على رفع معنويات القوات.
11- أصدرت أوامري بإعادة كتيبة دبابات من اللواء 15 المدرع من القنطرة شرق إلى الغرب والتمركز في منطقة أبو صوير، وكذا إعادة الكتيبة المشاة التابعة للواء 118 مشاة من قطاع الإسماعيلية شرق المدعمة للفرقة الثانية المشاة لتنضم على قيادتها في الإسماعيلية.

إيقاف القتال وإعادة التنظيم
وفي يوم 22 أكتوبر 1973 صدرت الأوامر لنا بإيقاف إطلاق النار إذا التزم العدو بذلك. ولكن العدو في صباح اليوم التالي، 23 أكتوبر، بدأ يتحرك تجاه قطاع فنارة-السويس لاكتساب أرض جديدة، وحاول القيام بخدعة في قطاع الجيش الثاني بالتظاهر بالارتداد بهدف محاولة جذب قواتنا إلى مناطق قتل وكمائن سبق له تخطيطها، محاولًا كسب نصر عسكري والاستفادة منه سياسيًّا وإعلاميًّا. ولم يوقف العدو القتال إلا بعد وصوله إلى طريق السويس وعزل مدينة السويس وحصار الجيش الثالث شرق القناة. وبعد إيقاف إطلاق النيران أصدرت قرارات لإعادة التوازن في منطقة الجيش الثاني، سواء في قطاعات رؤوس الشواطئ شرقًا وفي قطاع بورسعيد-بورفؤاد، أو في قطاعات الغرب شمال الإسماعيلية أو جنوبها، وأهمها إعادة باقي عناصر الفرقة 21 المدرعة إلى مواقعها الدفاعية قبل الدفع للاشتباك في 14 أكتوبر 1973، وكذا أصدرت أوامري بإعادة الوحدات الفرعية إلى الوحدة الأم لتكون الوحدات متكاملة والمسؤوليات محددة.
في سعت 1300 يوم 27 أكتوبر 1973 وفي اليوم الثاني من أيام عيد الفطر المبارك توقف إطلاق النيران بين مصر وإسرائيل، وفي يوم 28 استدعيت لمقابلة وزير الحربية الفريق أول أحمد إسماعيل علي، وأخطرني بتحملي مسؤولية قيادة الجيش الثاني. وتعينت رسميًّا قائدًا للجيش الثاني، بالرغم من أني تحملت هذه المسؤولية في أحلك أيام القتال وهو يوم الثغرة في 16 أكتوبر 1973، وكلفني بتجهيز قرار تصفية الثغرة وعرضه عليه يوم 30 أكتوبر 1973، كما أخطرني بتعيين اللواء أ.ح سعد مأمون لمراجعة موقف خبرات القتال المكتسبة في التشكيلات بالجيشين الثاني والثالث الميداني، وأنه سيقوم بالمرور على الجبهة لهذا الغرض. وقلت له:
- لماذا لا يعود سعد لقيادة الجيش الثاني وأعود أنا إلى منطقتي وقيادتي في المنطقة المركزية بالقاهرة؟
فقال:
- إنت خلاص اتعينت قائدًا للجيش الثاني مبروك!
وقام الوزير بعد ذلك بزيارة ميدانية للجيش الثاني يوم 7 نوفمبر، وزار قطاع القنطرة شرق ثم اجتمع مع قادة التشكيلات في مركز قيادة اللواء 118 في الإسماعيلية، ثم زار قيادة الفرقة 21 مدرع في منطقتها القديمة قبل العبور شرقًا.
وبعد زيارة الوزير أحمد إسماعيل للضفة الشرقية للقناة، أصدر أوامره بسحب الدبابات الإسرائيلية السليمة والمعطلة إلى الغرب. ولقد قامت إدارة المدرعات في سحب هذه الدبابات غربًا عبر المعديات والكباري المقامة، كما قام اللواء أ.ح كمال حسن علي، مدير المدرعات في ذلك الوقت، بمجهود عظيم في توفير الأطقم للدبابات المعطلة وإعادة دعم الفرقة 21 المدرعة بعدد كبير من الدبابات الجديدة كانت تصل إلى مواقعها في منطقة الملاك في سرعة مذهلة، مما مكنني من إعادة القدرة القتالية للفرقة 21 مدرعة بنسبة أكثر من 80%، وكذا باقي الدبابات في تشكيلات المشاة واللواءات المدرعة المستقلة، وإني أقدم له ولجميع رجال المدرعات خالص الشكر والتقدير.
وخلال الأيام الأولى من شهر نوفمبر 1973 استعادت معظم التشكيلات قدرتها القتالية سواء في استكمال النقص في المعدات أو الأسلحة أو الأفراد، وكانت كل إدارات الأسلحة تعطي كل إمكاناتها في هذا التدعيم.
وتم سحب المعدات والأسلحة والعربات المعطلة، وتم الإصلاح والصيانة لكل الأسلحة والمركبات والدبابات بدقة وعناية وسرعة أثبتت جدارة هؤلاء الرجال خلف المعدات وخلف المقاتلين، كما تم استكمال الموقف الإداري وخطوط الإمداد بالذخيرة وغيرها، وفي الوقت نفسه أخذت القوات في تحسين مواقعها الدفاعية وزيادة قدراتها، وفتحت نسبة من الإجازات للضباط والجنود واطمأنت النفوس وهدأت الأعصاب والحمد لله. والفضل بعد الله لهؤلاء الرجال خلف المعدات من فنيين وإداريين، فلهم مني ومن رجال الجيش الثاني وافر الشكر.


الفصل الثامن عشر
خطوات تصفية الثغرة

لم تكن القيادة العامة المصرية ولا قيادة الجيش الثاني الميداني تتوقع الاختراق الإسرائيلي بهذا الشكل الكبير في القوات وفي محاولة الوصول إلى العمق وعلى الإسماعيلية ثم السويس.
وكانت المعلومات التي بنيت عليها خطط تصفية الثغرة والتعامل معها في أول الأمر معلومات غير مؤكدة، ولكنها تشير إلى أن قوة العدو لا تتعدى سرية دبابات وبعض المشاة (7 دبابات)! وبالطبع هذا التقرير غير سليم وإذا بنيت عليه أي خطة لا تنجح.
وعندما كلفت بمهمة التحرك إلى قيادة الجيش الثاني في الإسماعيلية بعد ظهر يوم 16 أكتوبر 1973 وحتى عند وصولي إلى قيادة الجيش، كانت المعلومات أن للعدو عدد 7 دبابات فقط دمرت الصاعقةُ منها 4، أي باقي ثلاث دبابات. وحتى أستطيع تقدير الموقف واتخاذ قرار كان يجب أن أبني قراري على معلومات مؤكدة حتى أتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب وبالقوات المناسبة.
ولكن للأسف لم تكن المعلومات كافية ولا حقيقية.
لا يوجد في يد قائد الجيش أي احتياطي يمكن استخدامه سوى قوات الصاعقة المشتبكة فعلًا مع العدو في كمائن. وحرمتني القيادة العامة من سلطة المناورة بالقوات من الشرق للغرب لتكوين احتياطي، وكان لا بد من الحصول على معلومات مؤكدة عن قوة العدو غربًا، وأين هو.
ثم التفكير في تكوين احتياطي لقائد الجيش...
وكان أول احتياطي متيسر يمكن الاعتماد عليه وعلى دراية بالمنطقة تمامًا، هو اللواء 15 المدرع والموجود حاليًّا في قطاع القنطرة شرق ضمن قوات الفرقة 18 المشاة، فأصدرت أوامري فورًا إلى قائد قوات القنطرة بإعداد اللواء للعودة إلى الغرب، وهذه سلطتي كقائد ميداني مسؤول، وفي الوقت نفسه يجب أن أخطر القيادة العامة بقراري للتصديق حسب التعليمات والأوامر العسكرية. وقبل أن أخطرهم جاء الرفض لقراري، بل والأمر الصارم من الرئيس السادات بعدم سحب أي قوات من الشرق للغرب. ولم يوافقني على سحب اللواء 15 مدرع إلا الفريق الشاذلي، ولكن ما باليد حيلة! ماذا أفعل كقائد جيش؟ ومن أين أكوِّن احتياطي؟
وطلبت من القيادة العامة دفع لواء مظلات للعمل في الثغرة، وعندي ثقة في كفاءة هذه الوحدات التي توليت قيادتها أكثر من ثلاث سنوات، ولكن طلبي رُفض أيضًا.
وفوجئت بقرار من القيادة العامة بدفع اللواء 23 مدرع من الفرقة الثالثة المشاة الموجودة بالقاهرة في الاحتياطي العام ومعه كتيبة مظلات، ووصل اللواء فعلًا مساء يوم 16 أكتوبر 1973 إلى منطقة طريق عثمان على الطريق الصحراوي إلى الإسماعيلية.
وكان اللواء الوحيد القادر على التحرك هو اللواء 116 من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية، وكان فعلًا في منطقة العمليات غرب القناة، ولكن مقدمة اللواء وقعت في كمين صباح يوم 16 أكتوبر 1973، واستشهد قائد اللواء وحدثت بعض الخسائر في القوات ولم تستطع استمرار التقدم. حتى قائد هذه الفرقة برغم وجوده بالمنطقة، إلا أن الاتصال به لم يتم إلا مساء يوم 16 أكتوبر 1973، لأنه كان يتحرك في عربة مدرعة ليس بها أجهزة للاتصال مع قيادة الجيش، ولا مع قيادة فرقته شمال ترعة الإسماعيلية، فكيف يسيطر على القوات؟
وبرغم هذا فقد أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة قرار وزير الحربية باستمرار هجوم اللواء 116 حتى يصل إلى الساتر الترابي على قناة السويس غربًا ويستولي على المصاطب به ويؤمنها.
وأعتقد أنها لم تكن تعلم شيئًا عما حدث لهذا اللواء، ولم تكن تعلم قدرة العدو وقواته حتى هذا التوقيت!
نقطة أخرى لها أهميتها وحساسيتها، فقائد الجيش الثاني مريض ولا يستطيع تولي القيادة وإدارة المعركة، ورئيس الأركان يتولى القيادة، وهو بالطبع على علم ودراية بالموقف كاملًا، ولكني أفاجأ بقرار من وزير الحربية ولم يمضِ على وصولي إلا ساعة تقريبًا يقضي بتحرك رئيس الأركان إلى الضفة الشرقية لقيادة قوات رأس شاطئ الفرقتين 21 مدرع و16 مشاة. كيف يتم هذا؟ وبرغم هذا فقد تم تنفيذ القرار.
وأصدرت القيادة العامة قرارًا مساء يوم 16 أكتوبر 1973 بتوجيه ضربة مضادة صباح 17 أكتوبر 1973 للعدو في جيب الاختراق من الشرق بواسطة اللواء 25 مدرع يعاونه الفرقة 21 مدرعة (لم تكن الفرقة قادرة على القتال، ولم تكن قد استعادت كفاءتها القتالية بعد عمليات يوم 14 أكتوبر 1973)، ويعاون هذه الضربة من الغرب اللواء 116 مشاة وعناصر من الصاعقة.
فكرة العملية معقولة، ولكن أسلوب وقدرة التنفيذ محيرة تدل على أن من أصدر هذا القرار لم يدرسه الدراسة الكافية وكان في عجلة.
وبالطبع لم تحقق هذه الضربة أي نجاح ولم تكتمل منذ أول لحظة، بل خسرنا كثيرًا وفقدنا قدرة قتال اللواء 25 مدرع في أول معركة له ولم يخطط لها جيدًا أو حتى بطريقة سليمة.
كل هذه الخطوات تتم في زمن قياسي، والموقف في الشرق والغرب يتطور ضد مصلحتنا. وأصبح للعدو في ثغرة الاختراق ما يزيد على 250 دبابة ولم يمضِ على وجودي في المسؤولية إلا 24 ساعة فقط أو أقل!
ومحاولة أخرى من القيادة العامة بدفع اللواء 23 مدرع من منطقة تمركزه في عثمان أحمد عثمان لتوجيه ضربة أخرى مضادة في اتجاه الدفرسوار، وتم وضع الخطة التفصيلية لهذه الضربة من القيادة العامة، وأصدرت الأوامر بتنفيذ الضربة سعت 630 يوم 18 أكتوبر 1973. كيف يتم ذلك؟ وقائد اللواء وضباطه لم يتمكنوا من استطلاع الأرض ولا معرفة العدو أين هو، وما هي قواته. وكان من ضمن تخطيط القيادة العامة لتنفيذ هذه الضربة المضادة معاونة جوية لهذا اللواء في هجومه، ولكن للأسف حالت ظروف الجو دون تنفيذ أي عملية جوية، لا استطلاع جوي وبالطبع لا معاونة جوية. وصدر الأمر بالتنفيذ برغم معارضتي كقائد جيش مسؤول، ولكن جاء الأمر بصيغة أمر،، بدفع اللواء 23 مدرع عدا كتيبة الساعة السادسة والنصف صباح يوم 18 أكتوبر 1973.
وتم التنفيذ وتم تشتيت اللواء وفقدنا لواء آخر في ساعات قلائل. وأصبح الموقف أخطر مما يتصور أحد، فالعدو في الشرق يضغط على قوات رأس الشاطئ بشدة مستخدمًا قواته الجوية مع قصفات مدفعية مركزة وهجمات متفرقة للإشغال، وفي الغرب أخذ يعيث في الأرض الفساد.
وشعرت القيادة العامة بهذه الخطورة، فأرسلت رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق سعد الشاذلي لتولي تصفية موقف الثغرة.. ووصل بعد ظهر يوم 18 أكتوبر 1973، إلى قيادة الجيش الثاني بالإسماعيلية وتولى مسؤولية القيادة حتى بعد ظهر يوم 20 منه، وقال السادات في أول لقاء بعد إيقاف القتال:
- لقد ضاعت ليلة منا في محاولة تدمير الثغرة ليلة ما وصل سعد إلى هناك!
ولست أدري لماذا قال هذا وهو الذي عينه لهذه المهمة. قد يكون ذلك تمهيدًا لتحميله مسؤولية الثغرة! والله أعلم.
وحاولت القيادة العامة شد أزر الفريق الشاذلي بقوات جديدة، فأرسلت لواء مظلات ودخل فعلًا المعركة بسرعة مذهلة ولم يحقق الهدف، ثم مجموعة صاعقة وقد فشلت في أول تقدم لها نحو الثغرة وتحملت خسائر كبيرة، وبالطبع كانت أوامرها تصدر لها من القيادة العامة مباشرة.
ومجموعة خاصة مدربة على العمليات الخاصة الدقيقة فشلت في مهمتها واستشهد قائدها قبل أن تخطو خطوة واحدة! ولما فشلت جهود رئيس الأركان في محاولة التعامل مع الثغرة ولم يوافقوا على قراره بسحب بعض لواءات مدرعة من الشرق إلى الغرب وتطور الموقف إلى الأخطر، عاد الفريق الشاذلي إلى القاهرة لرفع الأمر للقائد الأعلى لمحاولة إنقاذ الموقف.
ولما عادت لي السيطرة مرة ثالثة على قواتي بعد الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم 20 أكتوبر 1973، تمكنت قوات الصاعقة من تدمير قول مدرع للعدو كان يتقدم إلى الإسماعيلية من اتجاه سيرابيوم-عين غصين، ونجحت في تدمير وقتل رجاله، وتوقفت محاولات العدو تجاه الإسماعيلية، خاصة أن «قول» آخر له تحمل خسائر كثيرة في تقدمه نحو الكوبري العلوي عند نفيشة وانسحب.
وتحول العدو أمام قواتي في جيب الاختراق إلى الدفاع ومحاولة التخندق حتى يتفادى نيران مدفعية الجيش الثاني العنيفة وهجمات الفدائيين من الصاعقة والمظلات التي استمرت ليل نهار. وكان هدفي الرئيسي هو احتواء العدو أولًا ثم اتخاذ الإجراءات القوية القادرة لتنفيذ المهمة.
ومن جانبي كقائد جيش اتخذت خطوة جريئة بسحب قيادة الفرقة 21 مدرعة من الشرق إلى الغرب، وتمركزت في مكانها القديم واستطاعت السيطرة على القوات الموجودة في منطقتها بما فيها وحدات الفرقة الرابعة المدرعة التي أرسلت لتأمين الطريق إلى القاهرة وعناصر اللواء 116 مشاة واللواء 23 مدرع والقوات الأخرى. والحق يقال إن قيادتها استطاعت بسرعة فائقة السيطرة وتماسك الموقف في أخطر اللحظات.
وعاونتنا قيادة المدرعات في سرعة الاستكمال للدبابات والسائقين والأطقم، وأصبح موقف الغرب قويًّا ومطَمئنًا والحمد لله.
وفي الشرق نجحت قوات الجيش الثاني في صد هجوم للعدو على منطقة الطالية، وتم أسر 12 جنديًّا إسرائيليًّا، منهم ضابط، وكانت بداية الخير...
كما تم سحب كتيبة دبابات اللواء 15 مدرع من القنطرة شرق إلى الغرب لتكون احتياطيًّا في يدي كقائد جيش! وعادت فعلًا كتيبة مدرعة مدعمة بمشاة ميكانيكي من اللواء 15 مدرع، ولم تعترض القيادة العامة على هذا.
كما أصدرت أوامر بتجميع اللواء العاشر المشاة الميكانيكي في القنطرة غرب ومعه كتيبة مدرعات اللواء 15 مدرع للعمل كاحتياطي لقائد الجيش شمال ترعة الإسماعيلية.

الخطة شامل
خططت القيادة العامة للقوات المسلحة خطة لتصفية ثغرة الدفرسوار بعد إيقاف القتال في 27 أكتوبر 1973 استعدادًا للقيام بضربة قوية لإرغام العدو على الارتداد شرقًا وتصفية رأس الكوبري في الغرب واستعادة الموقف. وقد أصبحت القوات المسلحة المصرية في موقف إستراتيجي جيد يسمح بالدفاع المتماسك شرق وغرب قناة السويس مع إمكانية تنفيذ الخطة شامل.
وأصبح الدفاع الجوي في قطاع الجيش الثاني متماسكًا شرقًا وغربًا، وبدأت حركة الاستكمال والتدريب تسير بخطًى واسعة، مع الأخذ في الاعتبار الدروس المستفادة وتفادي الأخطاء السابقة.
وحضر الرئيس السادات مؤتمر القادة لشرح الخطة ومناقشتها في أوائل نوفمبر 1973، وبعد أن استمع إلى تقارير قادة القوات الجوية والدفاع الجوي والبحرية وقادة الجيوش ورئيس هيئة العمليات علق عليها بالآتي:
- بعد هذه الصورة لشرح القادة يهمني أن أتكلم إجماليًّا.. ففي آخر اجتماع لنا قبل المعركة كنا نستعرض الخطة، ثم بعد العمليات ووقف إطلاق النار نستطيع أن نقول إننا حققنا أهدافنا إستراتيجيًّا ووضعنا إسرائيل في إطار الأربع نقاط التالية:
 1- حرب طويلة: فهي تحت التعبئة الآن ومتاعبهم واضحة.
 2- حرب الاستنزاف وتحقيق نسبة خسائر كبيرة: لم يقولوا حقيقتها، فقد قالوا إنهم 10 آلاف قتيل، وهي نسبة مميتة لهم.
 3- الحرب على جبهتين سوريا ومصر: وهي دائمًا تتفاداه ولكنه حدث.
 4- العامل النفسي ومحاولة إصابتنا بالشلل قبل البدء في أي معركة وجدار الخوف الذي بنوه وأنه لا يمكننا أن نطول عمقهم داخل إسرائيل: وقد تحطم كل هذا.
 ومن هذا يتضح أن نظرية الأمن الإسرائيلي بنقل المعركة خارجها حتى لا تتكبد خسائر ولكن تكبدت إسرائيل خسائر برغم أنها حاربت بعيدًا عن أرضها!

 إننا قد استعدنا ثقتنا في أنفسنا واستعدنا وصمة 1967، والحقيقة أنه تكتيكيًّا حدثت أخطاء وعملية الدفرسوار كانت تمثيلية أو «تياترو»، ويجب ألا ننهار ونكون جاهزين في المستقبل ونتعلم خفة الحركة وتحسين المواقع والحركة، ويجب أن نتعلم من العدو ومن الدروس المستفادة ما نستخلصه عمليًّا. ويوجد في السويس حاليًّا سخافات ورذالات ولكن يجب ألا ننهار أبدًا، ونحن حاليًّا في فترة إيقاف نيران، ولكن يجب أن تكونوا جاهزين بخطط نيران وخطط بديلة، ويجب أن نفكر في حرب المغارز والقوات الصغيرة المدعمة بعناصر مضادة للدبابات. وقد ضاعت منا ليلة بالكامل في الدفرسوار ليلة ما سافر سعد الشاذلي إلى هناك. لماذا ضاعت؟
وطلب سرعة التفكير وسرعة التصرف وسرعة اتخاذ القرار ومواجهة الموقف:
- فمن يوم 6 أكتوبر إلى يوم 22 وضعنا إسرائيل عارية أمام العالم، ولولا أمريكا ما استطاعت إسرائيل تحقيق ما عملته أثناء وقف إطلاق النيران ووصولها إلى السويس. لا تنسوا أننا عسكريين ويجب أن يكون لدينا حالة دائمة من اليقظة.

لماذا وافق السادات على إيقاف إطلاق النيران؟
قال السادات:
- لم يطلب مني أحد ذلك، ولكني أردت ألا أعطي إسرائيل فرصة استخدام الأسلحة الأمريكية الحديثة التي وصلتهم، كما أني وجدت روح 1967 قد بدأت في بعض القادة، وكنت أحب ألا يحدث هذا. والعامل الثالث أن القائد العام لم يكن لديه احتياطي يستخدمه، وهذا خطير. وقبولي وقف إطلاق النيران هذه المرة يختلف عما حدث عام 1967، فقواتنا 10 فرق شرق وغرب وإن شاء الله سنستعوض الدبابات، وبعد كسر حائط الخوف والجيش الذي لا يقهر وبهذه الروح العالية أمكننا أن نحقق كثيرًا...
 ويجب أن تتحركوا، خذوا أرضًا، تحركوا، وبعد فصل القوات ندخل مؤتمر السلام. ومفروض أن تظل القضية حية، فقرار أكتوبر وما نفذته القوات المسلحة كان روعة ونفذ ضد إرادة الكبار، روسيا وأمريكا، وكانوا يقولوا لي: «إوعى الحرب!».
وختم السادات هذا الاجتماع بتوجيه الشكر الخالص على العمل الذي تم، وقال إن كل المعارك يحدث فيها أخطاء:
- ولكن لا نصل إلى ما حدث في 1967 ونقول: «انتصرنا»، وننسى الدروس والثغرات والأخطاء، فيجب دراستها تمامًا وسنعيد تنظيم الدولة والقوات المسلحة بالكامل، وسأراجع الخطة شامل مع الوزير وأدعو لكم بالتوفيق.

مفاجأة نهاية عام 1973
وجاءت نهاية 1973 بمفاجأة عجيبة لي.
ففي يوم 11 ديسمبر 1973 استُدعيت إلى مركز القيادة لمقابلة الفريق أول أحمد إسماعيل علي وزير الحربية، وجلسنا معًا في مكتبه في المركز بعد مروري على مكتب رئيس الأركان الفريق سعد الشاذلي الذي وجدت مكتبه مغلقًا، وسألت الحارس، قال إنه موجود بداخله ولا يقابل أحدًا. ودار الحديث مع الوزير أحمد إسماعيل في عدة موضوعات تتعلق بالجيش الثاني، وأخذ رأيي فيما يخص بعض الضباط بالجيش، وحضر هذا اللقاء اللواء أ.ح حسن الجريدلي أمين عام وزارة الحربية، وكان يرافق الوزير أحمد إسماعيل في كل تحركاته واشترك معنا في المناقشة المشار إليها.
وبعد انتهاء هذه المقابلة وفي طريقي إلى خارج المركز قابلت اللواء أ.ح محمد عبد الغني الجمسي بمكتبه، وبعد التحية قلت له:
- مبروك لك فقد رأيت لك ما يبشر بمنصب أعلى إن شاء الله.
ولم يعلق، والحقيقة أنه كان يعرف أنه تعين رئيسًا للأركان اعتبارًا من 20 أكتوبر 1973 بدل الفريق الشاذلي الذي ركن أو تقوقع في غرفته ونحن كنا لا ندري.
وكانت المفاجأة الثانية والأهم أنه في اليوم التالي، 12 ديسمبر 1973، اتصل بي الوزير أحمد إسماعيل بمنزلي وقال لي:
- مبروك يا عبد المنعم!
- خير يا افندم؟
قال:
- أصبحت مساعدًا لوزير الحربية وقائدًا للدفاع الشعبي والعسكري، وتعين اللواء فؤاد عزيز قائدًا للجيش الثاني... مبروك!
فقلت له:
- شكرًا والحمد لله.
صمت مطبقًا مطرقًا ينظر إلى صدره حين أنقذه أنور وهو يختم الحلقة.

No comments:

Post a Comment