04 September 2015

إدريس علي: دنقلا


إدريس علي
دنقلا

الفصل الأول
المنفصل

حين انقطع الإرسال العادي، أعلن المذيع بصوت جاد:
-                   هنا القاهرة.
وسكت. انطلقت الموسيقى العسكرية الصاخبة الممهدة لأنباء هامة أو كوارث قومية أو كونية. توتر. انفعل. أصابعه المرتعشة فشلت في إشعال السيجارة. انتظر منتبهًا بحواسه كلها. بكله. دقائق. طالت ثم انقطع الصوت معلنًا:
-                   أيها السادة المواطنون إليكم ما يلي: يصل إلى مطار القاهرة ظهر اليوم... ويستقبله... وعلى الجماهير...
ضرب المذياع بكفه وأخرسه. ضحك لسذاجته. ظن الأمر متعلقًا به وبالرفاق مع أنهم لو أرادوهم.. سيأخذونهم عنوة دون إعلان. مجرد هواجس حاصرته خلال أسبوع منصرم، التزم فيه الصمت التام عن المباح والمحظور، لم يكلم أحدًا أو فتح نافذة إلا لتغيير الهواء. لبث يخشى الطارق والسائل وموزع البريد والبرق والمخبر الذي يأتي بالإخطارات ونشرات الأنباء والحوائط العجيبة ذات الآذان. ولما مرت الأيام دون مجيء زوار النكد، تأكد من جدية قرار العفو العام الصادر بقرار جمهوري لم يفسده المماليك بأوامر مضادة تنغص عليه لذة حرية ينعم بها بعد عشر سنوات عصيبة. استرد ثقته. فتح النوافذ. مازح ضيوف خاله الذين يعاونونه في ربط القفف وحزم الحقائب ويساومونه على كراكيب الشقة، والشقة نفسها، قال وهو يمشط شعره المجعد:
-                     أية خدمة يا خال.
-                     انزل أنت.. اتفسح وقابلني في المحطة.
وداعًا شقة الذكريات. دخل حجرة أولاد خاله المغلقة قبل امتداد أيدي الفك والبيع لمحتوياتها. كل شيء كما هو منذ سنوات، أتربة وخيوط عناكب، كتب وأوراق وملابس. بجوار السرير الأول على الحائط صورة الوالد الأكبر دهب جزولي بملابس ملازم في الجيش وصور أخرى لفتاة شمالية جملية مجهولة، مطرب مشهور، لاعبي كرة قدم. بجوار السرير الثاني صورة بحر جزولي.. الولد الأصغر طالب ليسانس الحقوق تحيط بها صورة «مكسيم جوركي» و«تولستوي» و«دوستويفسكي» و«لينين». هذا بيت الأحزان، الأكبر ذهب مدافعًا عن حدود الشمال وابتلعته رمال سيناء. والأصغر كان معتقلًا.. قتلوه وزعموا فراره. وزوجة خاله انفجر مخها حزنًا عليهما. وخاله يستعد للنزوح معه جنوبًا، حوَّل مدخراته، باع أرضًا يملكها وسيغادران العاصمة معًا عصر اليوم. قال خاله مشجعًا حين وجده مترددًا:
-                     يا ابني اذهب.
ازدحم البيت بالزوار والمودعين والمساومين. قدموا عزاءً متأخرًا في موت أبيه المأساوي. ضايقوه بالأسئلة والنصائح، «قال الله» و«قال الرسول».
ضاق بهم وبثرثرتهم وبالمكان. وهو ينزل السلالم سمع نشيد «الله أكبر» فوق كيد المعتدي.. فأدرك أن القوم مشغولون عنه بمعارك أهم لتحرير الديار من المحيط إلى... هذا ثاني يوم يغادر فيه سجنه الاختياري. بالأمس كان خائفًا، كل أهل الشمال حسبهم بصاصة. كل خطوة تصورها الأخيرة.
اليوم يستقبل منشرحًا.. لأنه يوم الوداع. طلاق نهائي. انتابه حنين جارف لأماكن أحبها، ورجال عرفهم، وذكريات عاشها. استهل جولته بأجمل الشوارع، قلب الشمال. تسكع. صدم. وبهت. وقف مكذبًا ما يشاهده، هؤلاء ليسوا أهل مصر.. الوجوه مكشرة، الشفاه مطبقة، البسمات باردة، النكات مبتورة. يتصادمون ويتشاتمون. يسبون الدين لبعضهم. لا بد أنه تأثير الغلاء أو حرب اليمن. وربما ضغط العسكر الذين يحتلون الشوارع والمناصب. الناس يهرعون لبيوتهم مذعورين. ماذا جرى للمدينة الضاحكة؟! حلوة كانت بأم الدنيا وصفوها. تأكل أولادها الآن. السعار. أدمن عشقها زمنًا. أحب كل ما فيها. أكل الترمس، الكشري، فول أبو ظريفة، كباب الحاتي، كنافة الحاج خليل. زار سوق الموسكي. وقف طويلًا عند سور الأزبكية الثقافي. تبادل البسمات الودودة مع الجميلات الجالسات فوق المقاعد الرخامية على كورنيش النيل. جزءًا من الكل كان. طعنوه ولوثوا براءته. انفصل عنهم ممرورًا. عشر سنوات يا ظلمة. نسبوا ما حل بهم لأمير البلاد. القاضي نفسه تردد. تلعثم. فكر. ومع ذلك حكم عليه وعلى بحر جزولي بخمس سنوات، وعند انتهاء فترة العقوبة، شحنوهما للمعتقل. لكن ماذا حدث لمدينة النور والمرح؟! خيم عليها ظل العسكر، الخوف. كل متذمر يتبعه بصاص. بين كل اثنين يتجادلان.. ثالث مدسوس يتصيد فلتة اللسان. كُتاب التقارير ينشطون، «نمى إلى علمنا»، «مصادرنا السرية أفادت»، وبمراقبة المذكور اتضح أنه: الذي ينسى التصفيق لموكب الأمير يختفي. كلمة عابرة تهلك القائل والسامع. السجون زادت. اتسعت. تنوعت. لا نجاة للمخالف. قديمًا كان معهم. طالب بالجلاء أو الموت الزؤام. سب الملك والإنجليز. صفق بحماس لجنود الثورة. السنوات العشر فصلته عنهم للأبد. سار يتفرج والبصاص داخله وأمامه وخلفه، يقلقه، يربكه، يكبل خطواته. عاودته المخاوف الضاغطة. مر أمام مقهى «ريش» ملتقى الرفاق. أطل برأسه مستطلعًا. تراجع مشمئزًّا حين رأى الرفيق الواشي يتحلقه المخدوعون. الحقير. تجاوز بار «ستلا» وشقة صديقه الدكتور التي فوق عمارة التأمين. تمنى قضاء ساعاته الأخيرة معه. خاف. واصل سيره حتى كوبري قصر النيل. وجد الأسدين مكانهما بدون الشوارب. أسود مؤنثة. مدينة محاصرة. فمع من يجلس وأين يقضي وقته المتبقي؟ غريب في بلد غريبة. أحس بظمأ مباغت فاق حدود الاحتمال. دخل الكازينو وطلب بيرة و«دوبل زفت». رد الجرسون وقال معاتبًا:
-                     زفت إيه يا أستاذ.. دا الحال عال والأشياء معدن.
كلهم يقولون عكس ما يبطنون. شرب «الدوبل» دفعة واحدة فاشتعلت مصارينه. خمرة رديئة مغشوشة. الغش. في أول زياراته للشمال استقبله محتال على باب المحطة وباعه ساعة «روسكوف». طلب ربع بولاناكي مقفول مع تسليمه بقدرتهم التسللية للأماكن المقفلة، بطن الحامل ومخدع الزوجين والمادة الصماء لأنهم تفوقوا لدرجة دهان الهواء بالدوكو وتعبئة الشمس في زجاجات ويفهمونها وهي «طائرة». وعليه بالرحيل قبل فوات الأوان تاركًا الشمال لأهله.. يغشون بعضهم.. يقتلون. مسألة خاصة بهم. غنى مراكبي «غريب الدار».. نعم.. الغربة، مفتاح أزمته مع مفاهيم الشمال، فهؤلاء العسكر، تضخمت ذواتهم وتفرعن بعضهم ولم يجدوا غير رمسيس يتفاخرون به، فأتوا بتمثاله الضخم ونصبوه في ميدان المحطة ليراه القادم والمسافر. وهو لا يحب رمسيس هذا ولا أي فرعون آخر لأنهم من الغزاة. شرب كوكتيل الخمرة بالبيرة ونظر للجالسين والسائرين حائرًا، نادرًا ما يحتجون أو يثرثرون. وهؤلاء الذين ينتشرون بين الرواد هم غالبًا عيون السلطة، المصوراتي وبائع الفل وماسح الأحذية وغيرهم. سكر وفكر في العبث بهم واختيارهم، هتف بصوت مرتفع تعمد توصيله إليهم:
-                     لك يوم يا ظالم.
بص عليه شرطي من فوق الكوبري محددًا الهدف. جدف المراكبي مقتربًا من الشاطئ وربض أسفل الكازينو. أسرع نحوه ماسح الأحذية وجلس تحت قدميه. وجاء جرسون آخر بمزة جديدة، نظف المائدة مرتين وقال لكي يجره للثرثرة:
-                     أي خدمات يا بك؟
تأمله محاولًا تحديد الجهاز التابع له. تجاهله. تساءل الجرسون من جديد:
-                     الأخ من أين؟
شرب كأسًا وقال في سره: «وانت مالك يا بارد».. تركه يتكلم بمفرده..
-                     سوداني طبعًا.
-                     أنا لب.
-                     ها.. ها.
ضحك ثلاثتهم.
-                     عمومًا تحت أمرك.
-                     أريد خدمة فعلًا.
-                     اطلب.
وقاطعهم ماسح الأحذية متنهدًا.
هو الآن بين بصاصين ولديه فرصة لإهانة أحدهما أو كليهما. بدأ بالجرسون، أشار له أن يدنو. انحنى برأسه نحوه، قال له هامسًا، متصنعًا الخجل:
-                     أنا عاوز مرة.. ممكن؟
ابتعد الجرسون غاضبًا - أحس بفرح صبياني. الماسح أكمل المهمة، قال:
-                     تعرف يا بيه.. بلدنا دي عاوزة الحرق.
رد في سره: «ومستني إيه؟». ونظر للصندوق فوجده لامعًا، غريبًا. التزم الحذر لما تذكر معتقل الواحات وترك الماسح يسب ويسخط مدندنًا بأغنية ما. وشاهد المصوراتي يقترب.
-                     صورة تذكارية يا بك؟
الخمرة تذهب بالواحد للمهالك.. قال للمصوراتي ضاحكًا:
-                     بشرط أن أكون عاريًا بجوار التمثال.
وها هو بائع الفل يحوم حوله. عيب أهل الشمال ادعاء الفهلوة، مع أنهم... شرب كأسًا أخرى وتذكر زوجة أبيه، روحية البولاقية القاتلة، انتابه ضيق خانق. بنت الكلب. بالأمس حين ذهب يبحث عنها، كان ينوي خنقها لو تأكد بشكل ما.. أنها دست السم لأبيه بعد أن استعمرته واستنزفته. أبوه الساذج تصور حضارة الشمال مجرد امرأة بيضاء طرية، ثقيلة الردفين، مكشوفة الثديين، فوقع فريسة لأبشع النساء، صائدة رجال محترفة.. بلسانها الحلو وملابس الستان اللميع والدانتيل المخرم، وباللبان تلوكه وتطرقعه.. لتثير بشفتيها الشهوات. وهدفها عم شلالي الكسيب جرسون فندق «شبرد»، فألقت إليه بالطعم، جسدها البديع. غازلته، صنعت له المحشي، غسلت ملابسه، غنت له أغاني تشيد باللون الأسمر، ترصدته بجوار حوض الغسيل المشترك، عبر نافذة المنور. حرمته راحة البال فطلبها بجنون لكنها لم تهبه نفسها إلا بواسطة المأذون. تكالب عليها ونسي أمه ونسيه. كل منهما اختار طريقًا مختلفًا للتعامل مع حضارة الشمال.. الموت عشقًا أو فكرًا.. سيان. تعود به الذكريات لبداية محنته.
-                     اسمك؟
-                     عوض شلالي.
-                     موطنك؟
-                     منتصف المسافة بين الشمال والجنوب، في المنطقة التي هلك فيها جيش قمبيز وارتد منه جيش المسلمين مهزومًا وقد فقئت عيون فرسانه، الآن.. صارت كلها مستودعًا لمياه الشمال.
-                     ركز إجاباتك.. اختصر.
-                     هذه مجرد نبذة تجهلوها عنا.
-                     ديانتك؟
-                     أؤمن بالعدالة.
-                     وثني يعني؟
-                     هذه عقيدتي.. فسرها كما تشاء.
-                     سنك؟
-                     ولدت في زمن الضعف.
-                     هل لديك أقوال أخرى؟
-                     نعم.. لقد زرعتم في قلبي الكراهية.
-                     خذوه وعلموه الأدب ويعرض مرة أخرى.
القساة.. ضربوه ضربًا ليس له نظير. عذبوه وحالوا بينه وبين الإخراج حتى كادت أحشاؤه تتمزق. الهول. لو سمع كلام حوشية أمه: «ما تمشي يا ولدي لبلاد الحية». هكذا كانت تصف روحية ضرتها. كل صيف كان يأتي مشتاقًا، منذ أيام التلمذة وهو يواظب على زيارة الشمال.. القبلة.
يقضي شهورًا مع بحر جزولي، جاب معه المكتبات، الندوات الثقافية، مقاهي الأدباء ثم التقى بجماعة المستقبل والدكتور والرفاق. وحلموا بعالم أفضل وكان السجن فالاعتقال.
شرب كثيرًا تعويضًا عن ظمأ عشر سنوات. اختل توازنه، نظر لأعلى باحثًا عن إله ينظم هذه الفوضى. ارتد ببصره يائسًا رأى أهل الشمال بلا رؤوس وبحر جزولي مشنوقًا ومعلقًا برقبة أحد الأسدين وأباه جثة طافية على صفحة النهر وروحية تتفحش مع صعاليك بولاق، والرجل الرهيب.. بعبع اليسار، يجوب المدينة باحثًا عن ضحايا جدد وتنظيمات يتخيلها. ورأى الشمال كله فاسدًا. المجد للوشاة والأنذال.. والموت للأصلاء. أين التوازن إذن وأين موضع الآلة؟!
بالأمس حين ذهب إلى حي بولاق أبو العلا.. وسأل عنها أنكرها الجيران، امتعضوا من سيرتها. لعنوها. وعند انصرافه، التقى بعم عثمان الكنزي، بلدياته، استضافه وقص عليه أدق تفاصيل المأساة. جلس يستمع متأففًا وروحه تكاد تطلع من الروائح الكريهة المنبعثة من دورة المياه القريبة، ودم البق الملطخ في الحوائط وبخر الأسنان وأعقاب سجائر «الكوتاريلي» والأغطية البالية. حلم يومًا مع رفاقه بغرف صحية لكل الناس ونسف هذه القبور، وعم عثمان هذا كان مزارعًا له أرض وبيت جميل على ضفاف النيل في بلاد النوبة الغارقة. غاص بيته وأرضه في جوف النهر. خزان الشمال.. شردوه. كان أبوه أيضًا مزارعًا قبل نزوحه للشمال ليعمل بوابًا قبل انتقاله لـ«شبرد». زاره مرة واحدة أمام إحدى عمائر الزمالك، رآه ينحني للكبار والصغار ملبيًا طول الوقت نداءات نسوة تافهات يعذبنه بين السوق والأدوار.. ربما لشراء كيس ملح أو حزمة جرجير. أحس يومها بالحقد والقرف وتعمق ارتباطه بفكر الرفاق. المساواة. العدالة. وعم عثمان الكنزي.. هل يعرف أصل اسمه الثاني، لقب هبة الله أبو المكارم.. كنز الدولة، أحد صعاليك العرب الوافدين والذي تآمر على أمن الجنوب لحساب الأيوبيين واستولى أحد أولاده على شمال النوبة وسماها بلاد الكنوز.
غزاة من كل ملة تركوا بلادهم طمعًا في بلاد الآخرين.
وبحر جزولي اعتنق رأيًا متعصبًا للجنوب وسرب مقالًا هاجم فيه مسألة تهجير أهل النوبة لجبل السلسلة، أخذوه بعدها ولم يعد.. فأخلص له وحمل عبء الدعوة منسحبًا لعصر رماة الحدق مخططًا لدنقلا جديدة ونوبة مستقلة موحدة رغم معارضة الرفاق لتطلعاته الانفصالية. لكن بماذا يحقق الحلم المستحيل بعد أن أبادت كتائب الظاهر بيبرس فرسان النوبة.
عوض شلالي سكر. وقف يغني «أروح لمين». تعجب أن يفعل بهم رجل واحد هذا كله! بقايا الحجاج!
وعم عثمان الكنزي واصل نبش سيرة المقتول عشقًا:
-                     فحين شح مال أبيك انصرفت عنه روحية باحثة عن بنك آخر وعجل أقوى، سمعتها بأذني يا ولدي وهي تردح له: «نعم يا خويا ما بقاش إلا أنت يا قعر الحلة كمان جاي تتحكم في ستك.. روح يا بابا للسودة بتاعتك.. أهي قاعدالك هناك زي البومة». أهانته وأهانتنا معه، نصحناه وكشفنا له المستور من مشيها البطال.. ويا شلالي هذه امراة من صنف رديء.. طلقها وأرح نفسك. لكنه أبدًا لم ير أبعد من سرتها. حتى ضبطها بنفسه، يومًا وهي تصاحب ولدًا صعلوكًا في سينما «علي بابا». عاد بها هائجًا. كتفها، قص شعرها، نزع أساورها الذهبية، واستولى على المال المخبأ وورقة الأرض وكلها من عرقه.. ثم طردها. والداهية لبدت بجوار الباب تبكي وتقول كلامًا يلين الحديد، كلام يا ولدي حلو تجيده وتتلاعب به، تذكره بالذي كان وحلفت برأس الحسين إنها شريفة ومظلومة وستكون من الآن.. خدامته. والمسكين صدقها وأعادها، سمعناهما يتعاتبان ويبكيان.. ثم يضحكان كالحشاشين. لعناه وانسحبنا لغرفتنا نتعجب لأمر هذا الرجل الديوث الذي فقد نخوته. منتصف الليل صحونا على صراخه، هرعنا إليه، وجدناه يقيء ويسهل، أسرعنا به للقصر العيني ومات قبل الفجر. قدمنا فيها بلاغًا وطالبنا بتشريح الجثة، ماعت الأمور والساقطة طلعت منها بسهولة.. بلد بنت ستين كلب، كله بالفلوس. قل لي يا عوض شلالي.. لماذا حبسوك؟
-                     وماذا سمعت؟
-                     كلام.
-                     مثل؟
-                     يقولون إنكم لا تؤمنون بالله ورسوله.
كيف يفسر له. حتى بالتبسيط لن يفهمه. هذه الحجرة العفنة والحياة التعسة. والجنود الذين عذبوه من الفلاحين وعمال التراحيل. لقد مات حماسه القديم للشرح والإقناع. وحقائق تكشف عن أكاذيب وأوهام. بعض الرفاق كانوا يتاجرون ولا يؤمنون بما ينادون وبينهم الانتهازيون والوشاة. قال لعم عثمان السلام عليكم ونزل. رأى على ناصية شارع أبو طالب أفنديًّا يخفي وجهه بجريدة، خمن هويته، اقترب منه متحرشًا وقال له:
-                     السلام عليكم يا عرب.
وهو يكره العرب الوافدين الذين ينتمي إليهم كنز الدولة والعمري قاطع الطريق ويكره المماليك الأوباش الذين منهم بيبرس ويكره الفراعين وروحية والأمير. ارتبك الأفندي ورد التحية متلعثمًا. تركه مبلولًا واخترق حواري بولاق متتبعًا خطى روحية سائلًا عنها من يتصور أنهم أقاربها مع علمه بأنها مقطوعة لا أصل لها ولا فصل، وربما ترقد الآن تحت حمار آخر لا يهمها من يكون، يتساوى عندها العربي والعجمي والأسود والأبيض.. كل بغيتها المال والعجل القوي. مومس لا شك في ذلك. ابتاع جريدة ورأى صورة الأمير بأنفه الفرعوني. ورأى أيضًا صورة الرفيق الواشي تزين صفحة الأدب. الحقير. حواري حقيرة لزجة موحلة بسبب الماء الوسخ المسكوب من الشرفات بعد حمامات الفجر. جاب مناطق القلاية ودرب نصر والسبتية والشيخ علي والعدوية البراني والجواني والتركمان، وسبه غلام سوقي بكلام بذيء:
-                     بربري هوبوا. هوبوا.. دخل الجنينة قطعوا...
وشاهد معركة دامية بين هراوات الصعيد ومطاوي ولاد البلد. زمان كانوا يجمعون الصعايدة ويجوبون بهم الحواري وهم يهتفون: «تنتخبوا مين.. دلال حسين.. حسين دلال.. الرجل الدد يحب الدد يموت في الدد». ثم قالوا أيام هيئة التحرير: «يا جمال.. يا جمال». وكانوا يوزعونهم أمام لجان الانتخابات للإرهاب. وشاهد شلة أسطوات في غرزة يحششون ويستمعون لأم كلثوم، والمؤكد أنهم سينسطلون ثم يتطوحون آخر الليل عائدين لغرفهم العفنة لمضاجعة البولاقيات ذوات الأرداف الثقيلة والمناطق الملساء المنتوفة بالحلاوة.. فيحبلن ويلدن أطفالًا يكبرون ويحترفون التصفيق للغالب والظالم والملك والسلطان والرئيس معتقدين كآبائهم بأن زوج أمهم هو عمهم.. فكيف ذلك والغريب لا يصير عمًّا؟
***
عوض شلالي قرب النهر ما زال. طلب زجاجة بيرة أخرى وشرب. الليلة يركب قطار الجنوب عائدًا لأمه المنتظرة منذ عشر سنوات، قاطعًا صلته بالشمال، تاركًا خلفه الرفاق الذين أعلنوا حل الحزب وتصالحوا مع الأمير والسجون والخوف وقتلة بحر جزولي وروحية والرجال الذين من ورق والضباط الآلهة وكتاب التقارير والرفيق الحقير والشمال بما له وما عليه.
حاول للحظة أن يمنطق الأمور، فكر أن أباه ربما مات بالتسمم الكحولي أو بعد ابتلاعه سهوًا معجون الحلاوة التي تنتف بها روحية ما بين فخذيها. أو دمر نفسه انتحارًا بسبب ضعفه الجنسي أمامها. وأن بحر جزولي ربما فر ولم يقتل ضربًا كما توهم. وأن الرفاق كانوا يخططون لأمر خطير من خلف ظهره.. وكيف له العلم بخططهم وهو يلتقي بهم صيفًا وبعده بالرسائل والمنشورات. وأن هذا المصوراتي.. هو فعلًا كما يبدو وليس عميلًا للمخابرات العامة أو الحربية أو مخابرات الحدود أو رئاسة الجمهورية أو المباحث الجنائية العسكرية أو المباحث العامة أو أمن الدولة أو مباحث قسم قصر النيل أو مخابرات خاصة لهذا المملوك أو ذاك. ياه.. كم عدد الأجهزة السرية في دولة الشمال؟ وضد من يعمل كل هؤلاء؟ إنه الشك المدمر الذي قاده يومًا للسماء ذاتها. ومن ذاق هول السجن الحربي.. لن يتصور وجود جحيم آخر. والجنة التي تنعم بها القلة على الأرض.. ينبغي انتزاعها عنوة. تعود به الذاكرة للنهاية مرة أخرى، كعادته، كل صيف، جاء بعد نهاية السنة الدراسية، ولكن هذه المرة، لشراء مستلزمات عرسه الذي تقرر، قالت له أمه بإلحاح:
-                     يا ولدي.. خليني أعرسك وأفرح بيك.. لأني خايفة عليك من نساوين مصر.
وهو أبدًا لم يفكر في الشماليات لأن روحية وضعت سدًّا بينه وبينهن. وافق. اختار وعند لقائه بالرفاق اقترح بحر جزولي دعوتهم لحضور حفل الزفاف. تحمسوا لأنه أكثر الرفاق نشاطًا وحماسًا، بينهم أساتذة جامعات وطلبة وعمال. دفعوا أجور الانتقالات من جيوبهم وابتاعوا له هدية عجيبة، مفتاح القاهرة من الذهب. ركبوا جميعًا مفتخر الثامنة، يتسامرون، يضحكون ويتناولون أهل النوبة والصعيد بالنكات اللاذعة، قال أحدهم مازحًا:
-                     أخاف أن يأكلونا هناك.
رد آخر متصنعًا الاستغراب:
-                     أما زلوا يأكلون لحوم البشر؟!
قطع عليهم بحر جزولي معلقًا:
-                     ولكننا لا نستسيغ لحوم الحمير.
ضحكوا طويلًا ثم تحدثوا بجدية في كيفية تثوير أهل النوبة اللذين يعبدون الأولياء بعد الإله وتجنيد رفاق جدد لمعاونة عوض شلالي. كانوا يحلمون عندما توقف القطار بعد محطة المنيا ودخل خطًّا فرعيًّا مهجورًا. ثم داهمهم رجال الأمن.. دعاهم لعرس جنوبي.. فقادوه لمذبحة شمالية.
-                     المتهم عوض شلالي.
-                     إني هنا.
-                     لماذا كنت تتردد على القاهرة كل صيف؟
-                     عشقتها.
-                     وما علاقتك بهؤلاء الـ...؟
-                     هم صفوة أهل مصر.
-                     هل كنت تعلم نيتهم في قلب نظام الحكم؟
-                     كيف؟
-                     نحن الذين نسأل.
-                     وبماذا أجيب؟
-                     ثبت لنا تنقلك بين قرى النوبة وأحيانًا حتى حلفا ودنقلا.
-                     تلك كلها بلادي.
-                     لدينا ما يؤكد بأنك بلبلت أفكار الناس.
-                     كنت أفتح عقولهم.
-                     لأي شيء؟
-                     للعدالة.
-                     من كلفك؟
-                     هذا واجبي.
-                     وقع هنا.
-                     ما زلت مصرًّا على قراءة أوراق التحقيق.. فلست أميًّا.
-                     نحن الذين علمناكم يا ابن الجارية.
-                     أحتج لأن أمي سيدة نوبية حرة.
-                     وقع أحسن لك.
-                     أقرأ أولًا.
-                     من أخطاء الحكومة أنها فتحت لكم المدارس.. لو تركناكم همجًا لبقيتم سفرجية وبوابين لنا.. خذوه مرة أخرى وأدبوه.
***
أتى على باقي الزجاجة وجلس يتفرج.. النهر سبب البلاء ينساب شمالًا، والبصاصة يحومون حول الرواد باحثين عن صيد. وهو ما زال حبيس تراكمات الماضي. وبالأمس حين فشل في العثور على روحية، قصد قسم بولاق ليقدم ضدها بلاغًا. وجد زحامًا وشجارًا حول الصول القابع خلف دفتر الأحوال، وبينما المجني عليه واقف تكال له الصفعات، يجلس الجاني محتفيًا به لأنه من صفوة أهل بولاق. وقال الصول ضجرًا حين اخترق عوض شلالي الزحام واقترب منه:
-                     نعم يا أستاذ.. نهار مهبب من أوله.. طلباتك.. نشل ولا خناقة.. ضروري حد باع لك الترماي.
-                     ها.. ها.
ضحكوا، ابتلع ريقه والإهانة ونظر مندهشًا للمخبرين والعساكر والشهود يشربون المرطبات على حساب الجاني ويتخاطفون سجائره الفاخرة ثم أجمعوا على أن المجني عليه هو الذي بطح نفسه وسب الدين والحكومة. وقال الذي كان جانيًا إنه تنازل عن حقه، لكن حق الله مستحيل وحلف بالطلاق أن يحرروا محضر سب دين لهذا الولد الصايع. عوض شلالي زادت دهشته بعد قراءة شعار «الشرطة في خدمة الشعب» وأدرك أن روحية لو جاءت، سيأتي معها الشهود الجاهزون وربما اتهموه بهتك عرضها وأدخلوه السجن. تراجع وقال أول ما خطر بباله.
-                     جئت أقدم بلاغًا عن اختفاء بحر جزولي.
-                     ومن يكون؟
-                     ابن خالي.
-                     وأين تم هذا؟
-                     في سجن الواحات.
-                     ماذا تقول يا أستاذ؟
-                     أقسم إنه مدفون هناك.
-                     وما شأننا؟
-                     ألستم الشرطة التي في خدمة الشعب...!
-                     يا أستاذ كل جهة لها اختصاص.. اذهب لشرطة الواحات.
-                     أسافر يعني؟
-                     اذهب للنائب العام أو وزير الداخلية.. انتظر.. ماذا قلت؟ الواحات.. تقصد المعتقل.. آه.. بالسلامة.
استدار لينصرف فسمع الصول يقول لعريف بجواره إن هذا الأفندي من الحمر إياهم رغم وجهه الأسود. التفت عوض شلالي ورد عليه بغضب عنيف:
-                     نهار أبوك هو الأسود ومؤخرتك هي الحمراء.
قام الصول والعساكر والمخبرون والجاني والمجني عليه وحتى من ليس له دخل في الموضوع وتحلقوا حول عوض شلالي محاولين افتراسه. صرخ فيهم وهددهم بأن المقترب منه هالك.. لأنه ممسوس، يده والقبر. حدثت جلبة وضوضاء نبهت المأمور الذي جاء مسرعًا وقال:
-                     انتباه.
وقفوا كالألواح وضربوا له تعظيم سلام. فعلًا.. ناس يخافون ولا يحتشمون. قال الصول محرضًا:
-                     يعجبك كلامه يا بك.. يهين الحكومة ونسكت؟
رد عوض متهكمًا:
-                     وهل أنت الحكومة؟
وقال مخبر عدواني:
-                     ندخله الحجز يا بك؟
وقال الجاني متعجبًا:
-                     آخر زمن.. كان عند جدي عشرة من هذا الصنف غير الذين أعتقهم لوجه الله.. ولم أتصور أن يأتي يوم يتطاولون فيه على أسيادهم.
رد عليه عوض شلالي مستفزًّا:
-                     أي أجدادك تعني؟ الذي كان يلعق أحذية المماليك؟ أم الذي كان يورد النساء لعساكر نابليون؟
قال المأمور محذرًا:
-                     من فضلكم.
قال الصول:
-                     المفروض يتأدب يا بك.
قال المأمور بحزم:
-                     انتهينا.
قال الجاني بغيظ:
-                     قلمين ثلاثة تفوقه.. تلاقية شارب بوظة.. أقول لكم سيبوه ليه.. صبياني بره يوضبوه.. مماليك قال.
قال المأمور شاخطًا:
-                     قلنا خلاص.. اذهب لحالك يا أستاذ.
عقب عوض وهو يتجه لباب الخروج:
-                     حالي لن يتعدل قبل أن يدخل الجاني غرفة الحجز وتشنقوا روحية وتقبضوا على قتلة بحر جزولي.
ثم قال السلام عليكم وانصرف، انفجروا خلفه ضاحكين. وقال الصول نافخًا:
-                     أما بلاوي بتتحدف علينا.
وتبعه مخبر عن كثب. وعوض شلالي سار منفعلًا والغيظ ينهش صدره من كلام البولاقي الذي يتفاخر بأن جده كان يستعبد الناس، عبيد يملكون عبيدًا! وقف في شارع الجلاء يتفرج والناس يجرون، يصفقون للموكب ويقولون إنهم سيفتدونه بالروح والدم. فعلوا هذا مع كل الذين سبقوه. أحب هذا الرجل لما قال: «ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد». كرهه حين زج بهم في السجون واضعًا يديه في جيوبه، زغده المجاور له خائفًا:
-                     سقف يا سمارة لتروح في داهية.
انصرف قبل انتهاء الزفة وذهب لمقهى النوبيين في عابدين باحثًا عن الأصدقاء القدامى. جلس بعيدًا، أرسلوا له التحيات عبر الهواء. يخافون. والفرقة النوبية بقيادة علي كوبان تغني للسد والثورة. ورؤساء الجمعيات الخيرية يرسلون برقيات التأييد: «سيروا على بركة الله ونحن وراءكم». هؤلاء ليسوا أحفاد رماة الحدق. ضيعوا النوبة وماضيهم وحاضرهم، سبهم جميعًا وقام يتسكع.
طلب زجاجة بيرة ونظر لزحام السائرين فوق الكوبري يرفعون الأعلام الحمراء والبيضاء فظن الحرب قامت.. لكن بين من ومن؟ قال أحد الحاضرين متحمسًا:
-                     أهلي حديد.
رد عليه آخر:
-                     زمالك فن وهندسة.
وثالث راقصًا:
-                     آهلي.. بيب بيب.. آهلي بيب بيب.
أحس بدوار شديد وهو يحاول تحديد موقع الدولتين المتحاربتين من خريطة العالم. لكن صوتًا غاضبًا قطع عليه محاولة التذكر، لأن رجلًا متوترًا لم تحتمل أعصابه سخافة الوضع فقال صارخًا:
-                     أغرب شعب في العالم.. أهلي إيه وزمالك إيه واحنا مش لاقيين ناكل وعايشين في حماية البوليس الدولي؟
المصوراتي غافل الغاضب والتقط له صورة وثائقية نادرة. اقترب ماسح الأحذية من المنطقة الساخنة. خرج بائع الفل مسرعًا. دخل رجلان وقوران واصطحبا الغاضب في هدوء.
انسحب البعض. لزم العشاق الصمت. وظل عوض شلالي مكانه ينظر للسائرين ويظنهم من شدة سكره جنودًا غزاة يقصدون الجنوب لتدميره والعودة بالفيء والأسلاب وبآلاف ممن يسمونهم بالعبيد وهم في الواقع أهل تلك البلاد. فلأي غزاة ينتمون؟ أكثرهم تدميرًا كان الفرعون «سنفرو»، ثم تعاقب بعده السفاحون. أبشعهم شمس الدولة «توران شاه» وأسفكهم الظاهر بيبرس معبود الشمال. سبهم جميعًا بما فيهم «شكندة» الملك النوبي المخلوع الخائن. وسب كنز الدولة و«السير وليام ويلوكس» مدير الخزانات والباشوات والسلاطين ومحمد علي ووزراء الري السابقين واللاحقين وكل من وضع حجرًا في الخزان الأول والسد الثاني. وسب النهر الذي هزم أمام السد وسب العالم كله الذي ساهم في إنقاذ المعابد وترك الناس. غلى دمه. توتر. اعتلى مقعدًا وصرخ بأعلى صوته:
-                     يا أولاد القحايب.
وسمع صوتًا يرد عليه من بعيد:
-                     بتشتم مين يا ابن الواطية.
وقال آخر:
-                     سيبك منه دا باين عليه زملكاوي عبيط، أصل كل البوابين زملكاوية.
وجاء مدير الكازينو ومعه السفرجية، أنزلوه، حاسبوه بالزيادة، ثم طردوه. عند الباب، التقطه مخبر ببالطو وجلابية وقاده لركن مظلم بجوار مبنى مجلس قيادة الثورة، فتشه واستولى منه على الفكة وعلبة السجائر والولاعة وأخلى سبيله. سار على الكورنيش مترنحًا حتى وجد فتحة وسلالم تؤديان للنهر. نزل بصعوبة وأدخل أصبعين في حلقه وتقيأ، طاردًا آثار الخمرة المغشوشة من معدته. واغتسل بماء النهر. أفاق. غمر رأسه في الماء واسترد وعيه تمامًا. صعد. سمع زئير الجماهير بعد الهدف المبكر الذي اخترق شباك الأهلي وأدرك أن الحرب لا بد ناشبة. واصل سيره عائدًا. وجد نفسه في قلب الزحام. ميدان التحرير. رأى الأشياء بوضوح انقشع الضباب عند حقائق بسيطة، فهؤلاء الزاحفون ليسوا جنودًا غزاة، إنما هم أهل الشمال المتعبون العائدون لبيوتهم بعد عمل شاق، وهو لا يكن لهم عداوة ولا حقدًا، فليسوا جميعًا قتلة بحر جزولي وإنما القتلة قلة باغية لم تفرق يومًا بين شمالي وجنوبي، بين ملحد ومؤمن أو مسلم وقبطي. ولا كان لهؤلاء المعاصرين يد في تدمير الجنوب واستعباد فرسانه. وإذا كانت روحية فاسدة وقاتلة، فهي تمثل هامش نساء الشمال والمسألة سوء اختيار من أبيه. وبين الشماليات فاضلات، مثقفات، مناضلات، ولو تقدم لأجملهن، لن ترفضه مطلقًا بسبب اللون لأن أبا المسك كافور الإخشيدي تربع يومًا على عرش مصر. نعم.. القاهرة جميلة وأهلها على درجة كبيرة من الطيبة والتسامح. والذين اجتاحوا الجنوب وخربوه، فعلوا ذلك مع حضارات أعرق وأمم أقوى.. فتلك كانت ثمة عصور القوة الحمقاء. والذي وقع له، مجرد أمر عارض لا بد أن يتجاوزه. خلع ثوب العبوس، عاكس عذراء وتلقى منها بسمة أسعدته. نكت مع بائع مراوغ. وهب نقودًا لمتسول. قاد ضريرًا للجانب الآخر. هاتف الدكتور، شاكرًا ومودعًا، فهو لا ينسى أنه علمه لغتين ثمينتين في المعتقل. ابتاع جريدة المساء وأسرع للمحطة بقلب مفعم بحب قديم. وجد القطار يوشك على التحرك، قفز راكبًا وتنقل بين العربات باحثًا عن خاله.

No comments:

Post a Comment